سعد الحريري 2025… زيارة الابن أم عودة الزعيم؟
مع اقتراب ذكرى 14 شباط هذا العام التي تكمل عامها الـ20، بدأ الحديث كعادة كل عام عن زيارة الرئيس سعد الحريري الى بيروت والتهيئة لها إن كان على مستوى تيار “المستقبل” كتنظيم، أم على مستوى الوسط والشارع السياسي “السني” خصوصاً والوسط السياسي اللبناني عموماً، لا سيما وأن الزيارة هذا العام تأتي في ظروف مختلفة عن السابق بعد الأحداث والتطورات التي طبعت الأشهر الأخيرة جراء تداعيات عملية “طوفان الأقصى” في لبنان والمنطقة، والتي يمكن القول إنها تحولت إلى “تسونامي” قَلَب الأوضاع رأساً على عقب، ما جعل الكثيرين يعتقدون بل ويتوقعون أن تكون زيارة الرئيس سعد الحريري هذه المرة إلى بيروت بمثابة “عودة” دائمة وتعليق لقرار “تعليق” العمل السياسي الذي كان أعلنه قبل 3 سنوات، وما عزَّز هذا الاعتقاد ربما الحملة الدعائية والشعار الذي طرحه تيار “المستقبل” حول الذكرى هذا العام وهو “بالعشرين ع ساحتنا راجعين”.
الواقع هو أنه لا يمكن لأي عاقل أن يتجاهل التحولات العميقة التي ضربت لبنان والمنطقة في الأشهر الأخيرة والتي ولَّدت واقعاً جديداً بميزان قوى جديد، وإن كان هناك من يرى أن هذا الواقع الجديد لم يصل إلى خواتيمه بعد بما يجعل الوضع أشبه بما قاله الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي “القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد”، ولكن بالنسبة الى عودة الرئيس سعد الحريري النهائية إلى بيروت، لا يمكن لأحد الجزم بذلك أو محاولة الاستنتاج والتحليل من دون الرجوع إلى خطاب تعليق العمل السياسي في كانون الثاني من العام 2022، والأسباب الموجبة التي أملت إتخاذ هذا القرار يومها مع ما كان يحمله من مؤشرات سلبية تجاه الأوضاع في البلد، وكذلك إحباط لشريحة واسعة من اللبنانيين عموماً وللطائفة السُنية خصوصاً في بلد لا تزال تقوم فيه قوة الطوائف على مكانة وقوة حضور الزعيم السياسي لهذه الطائفة أو تلك، وهل أن هذه الأسباب زالت بما يسمح بالعودة الفعلية والفاعلة للمساهمة في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومعالجة أسباب الإنهيار الذي بدأ بالتدريج مع جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ليصل إلى ذروته في 17 تشرين الأول عام 2019 في منتصف عهد “جهنم” ورئيسه ميشال عون، وأثناء ولاية حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية في ذلك العهد، الذي حاول يومها تدارك الأمور والضغط بإتجاه بعض الاصلاحات التي رفضتها بقية المنظومة الحاكمة ما أدى إلى إستقالته إستجابة لطلب الشارع، وكان بعدها أول من طالب بتكليف القاضي نواف سلام تشكيل حكومة إنقاذ وإصلاح، فكان الرفض نصيب هذا الإقتراح أيضاً، الذي لو كان عُمل به يومها لربما كنا وفَّرنا على البلد والناس الكثير من المعاناة والمشكلات والخسائر.
في خطاب تعليق عمله السياسي قال الرئيس سعد الحريري في معرض تفسير قراره إنه يرى “أن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني وإستعار الطائفية وإهتراء الدولة”، مشدداً على إلتزامه بمشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي يقوم على قاعدتين أساسيتين، الأولى هي منع الحرب الأهلية والثانية تأمين حياة أفضل للبنانيين، الأمر الذي لم يعد ممكناً يومها، مضيفاً أنه “ما لا يمكنني تحمله هو أن يكون عدد من اللبنانيين الذين لا أرى من موجب لبقائي في السياسة سوى لخدمتهم، باتوا يعتبرونني أحد أركان السلطة التي تسببت بالكارثة والمانعة لأي تمثيل سياسي جديد من شأنه أن ينتج حلولاً لبلدنا وشعبنا”.
اليوم وعلى الرغم من التطورات المتتالية منذ الصيف الماضي ومخرجاتها، من وقف إطلاق النار على جبهة لبنان مع إسرائيل، وإنتخاب رئيس جمهورية بعد تعطيل دام أكثر من سنتين، وتكليف نواف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى، وهي تطورات لبنانية مهمة تركت جواً من الارتياح النسبي في الداخل، كذلك سقوط نظام آل الأسد في سوريا وإتفاق وقف النار في غزة مؤخراً، إلا أننا وفي نظرة على الأوضاع ومقارنتها بما قاله الرئيس سعد الحريري في خطاب التعليق، نرى أن الأمور وإن بدت أفضل إلا أنها لم تتبلور بعد بما فيه الكفاية وبما يسمح بعودة دائمة و”منتجة” للرئيس الحريري، إذ بإستثناء ما يشبه “التوافق الدولي” على الوضع في لبنان الذي حل – ربما – محل التخبط الذي كان أشار إليه في خطابه، فإن بقية العناصر لم تزل للأسف على حالها، فالنفوذ الايراني وإن كان يبدو قد ضعُف نسبياً إلا أنه لم يتلاشَ كلياً، والإنقسام الوطني وإستعار الطائفية للأسف لا يزال على حاله، وليس أدل على ذلك مما نشهده من مناكفات وعراقيل أمام تشكيل الحكومة، ناهيك عما أفرزته الحرب الأخيرة وتصرفات أنصار “حزب الله” مؤخراً في بيروت والمناطق ما يؤجج المشاعر الطائفية والمذهبية، أما إهتراء الدولة فحدث ولا حرج.
كل هذه الأمور تجعل – برأيي – من عودة الرئيس الحريري في الوقت الحاضر – على الأقل – غير مناسبة، وإن كانت التطورات الأخيرة تُحتِّم عليه إعادة تفعيل تيار “المستقبل” كتنظيم كي يعود ويستعيد نشاطه في بيروت والمناطق ويطلق ديناميكية جديدة، تمهيداً لإنطلاقة جديدة تحضيراً للإستحقاقات المقبلة من إنتخابات بلدية ونيابية، قد تكون منطلقاً لعودة الرئيس سعد الحريري بعدها بكتلة نيابية صافية خالية من الودائع والتحالفات الظرفية التي كانت سائدة سابقاً، وبذلك يكون قد أعطى الفرصة أيضاً لحكومة الرئيس نواف سلام – إن شُكلت – الذي توسَّم فيه اللبنانيون خيراً وهم الذين “لم يتحمَّل الرئيس الحريري أن يعتبروه أحد أركان السلطة التي تسببت بالكارثة والمانعة لأي تمثيل سياسي جديد من شأنه أن ينتج حلولاً لبلدنا وشعبنا” كما جاء في خطاب التعليق، وذلك بعد أن وفى بوعده وترك المجال طيلة ثلاث سنوات لتمثيل سياسي جديد في الطائفة السنية – بغض النظر عن النتائج التي سيتحمل وزرها أصحابها بلا شك – وهو ما يُحسب له بحيث لم يجرؤ أي زعيم لبناني آخر على أن يخوض هذه المغامرة بغض النظر عن أسبابها وظروفها السياسية والشخصية.
بإنتظار يوم 14 شباط، يوم الولاء للبنان والوفاء لرفيق الحريري، يبقى السؤال هل من سيزور بيروت في الذكرى هو سعد الحريري الإبن، أم سعد الحريري الإبن والزعيم السياسي؟ فلننتظر ونرى.
ياسين شبلي-لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|